صوت المدونة

الاثنين، 4 أغسطس 2008

لقطة (3) من كتاب حوار مع صديقي الملحد .

اولاً: اسف على التأخير ، ثانياً : كنت قد نوهت عن هذه اللقطه في المره السابقه نظراً لاهميتها و لكن هذه اللقطه تتميز بطولها لانها غنيه في افكارها و مهمه لنا كقارئين و لان الاسئله اللي يرد عليها الكاتب هذه المره كثيره و تحتاج لتوضيح كبير لذلك اضطررت إلى تقسيم الاجابه على الاسئله على لقطين ( هذه اللقطه و القادمة بإذن الله ) حتى لا تملوا من القراءه . . اترككم مع اللقطه التي انا متشوق معكم لقراءتها .



-إذا كان الله قدر علي أفعالي فلماذا يحاسبني ؟-

قال صديقي في شماتة وقد تصور أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة :



- أنتم تقولون إن الله يجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي . . وأن أفعالي كلها مقدرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟


لا تقل لي كعادتك . . أنا مخيَّر . . فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية ودعني أسألك :


هل خيرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟


هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟


هل باختياري ينزل علي القضاء ويفاجئني الموت و أقع في المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة . .


لماذا يكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟

وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟


ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟


أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصو.ر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن . .

قلت له في هدوء :

أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدرة في علمه فقط . . كما تقدر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني . . ثم يحدث أن يزني بالفعل . . فهل أكرهته . . أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك . .


أما كلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها . . هو تخليط آخر . .


وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصور الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين . .


أنت تتكلم عن حرية مطلقة . . فتقول . . أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً . . هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها . . أين حريتي ؟


ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده .. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية :

{ وربك يخُلق ما يشاء ويختار ما كَانَ لَهم الْخِيرُة } 68 سورة القصص


ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار . .


ولن يحاسبك الله على قِصرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها . .


ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف .. وأنت في هذا المجال حر .. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها . .


أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة . .


أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك . .


أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب . .


وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام . .


وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين . .


وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة . .


ي هذا المجال نحن أحرار . .


وفي هذا المجال نحاسب و نسأل . .


الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة حرية الإنسان في مجال التكليف .




وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري بها في داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم على الخطأ ، وبالراحة للعمل الطيب . . ونحن نشعر في كل لحظة أننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة ، بل إن وظيفة عقلنا الأولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات .


ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم بين يدنا وهي ترتعش بالحمى ، ويدنا وهي تكتب خطاباً .. فنقول إن حركة الأولى جبرية قهرية ، والحركة الثانية حرة اختيارية .. ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة .


ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط .. فيمكنك أن .تكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تخلع ثيابها .. ولكنك لا تستطيع بأي ضغط أو تهديد أن تجعلها تحبك من قلبها ومعنى هذا أن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار ، وأنه فطرها حرة . .



ولهذا جعل الله القلب والنية عمدة الأحكام ، فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما أن قلبه من الداخل مطمئن بالإيمان ، وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى:


{ إِلاَّ من ُأكْرِه وقَلْبه مطْمئِن بِالإِيمانِ } 106 سورة النحل


والوجه الآخر من الخلط في هذه المسألة أن بعض الناس يفهم حرية الإنسان بأنها علو على المشيئة ، وانفراد بالأمر ، فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا له أنداداً يأمرون كأمره ، ويحكمون كحكمه ، وهذا ما فهمته أنت أيضاً . . فقلت بتعدد المشيئات . . وهو فهم خاطئ . . فالحرية الإنسانية لاتعلو على المشيئة الإلهية . .


إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما ينافي المشيئة . .


الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه "فنعصيه" ، ولكن لم يعط أحداً الحرية في أن يعلو على مشيئته . . وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية الإنسانية . .


كل ما يحدث منا داخل في المشيئة الإلهية وضمنها ، وإن خالف الرضا الإلهي وجانب الشريعة . .


وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره . . ولم نأخذها منه كرهاً ولا غصباً . .


إن حريتنا كانت عين مشيئته . .

ومن هنا معنى الآية :


{ وما تشاؤونَ إِلا أَن يشاء اللَّه } 30 سورة الإنسان


أن مشيئتنا ضمن مشيئته . . ومنحة منه . . وهبة من كرمه وفضله . . فهي ضمن إرادته لا ثنائية ولا تناقض . . ولا منافسة منا لأمر الله وحكمه . .


الوجه الثالث للخلط أن بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتسيير والتخيير . . فهموا القضاء والقدر بأنه إكراه للإنسان على غير طبعه وطبيعته وهذا خطأ وقعت فيه أنت أيضاً . . وقد نفى الله عن نفسه الإكراه بآيات صريحة :


{ إِن نشأْ ننزلْ علَيهِم من السماء آيةً فَظَلَّت أَعناُقهم لَها خاضِعِين } 4 سورة الشعراء


والمعنى واضح . . أنه كان من الممكن أن نكره الناس على الإيمان بالآيات الملزمة ، ولكننا لم نفعل . . لأنه ليس في سنتنا الإكراه . .


{ لاَ إِكْراه فِي الدينِ قَد تبين الرشد مِن الْغي } 256 سورة البقرة


{ ولَو شاء ربك لآمن من فِي الأَرضِ ُ كلُّهم جمِيعا أَفَأَنت تكْرِه الناس حتى يكونواْ مؤمِنِين } 99 سورة يونس


ليس في سنة الله الإكراه .

من كتاب
(حوار مع صديقي المحلد)
للعالم/ مصطفى محمود

***************************

نكتفي بهذا القدر و انتظرونا في اللقطه القادمه حيث بقية إجابة و رد الكاتب على الاسئله
نلقاكم على خير